أكتب هذه المدخلة بعد التعرض للعديد من المعضلات المتعلقة بإدارة المجموعات من خلال الاحتكاك بعدد منها والحديث مع أعضائها.. أهمها وأحدثها هو مجتمع ويكيلوجيا الذي ينشط في سورية. ورغم أنني سأكتب بشكل عام عن بعض تحديات الحوكمة في المجتمعات المحلية الفاعلة، إلا أن الهدف البعيد هو الاستفادة من هذا التشخيص في تطوير أدوات وأساليب تقنية جديدة تساعد على إجراء العمليات الإدارية. كما أن الأمثلة التي أستند عليها مستقاة من مجتمعات موجودة كلية أو جزئية على الإنترنت.
إن ما دفعني للبدء بكتابة هذه المدخلة، عدا الاهتمام بالتنمية المحلية في سورية عبر تمكين المجتمعات الأهلية الفاعلة، هو مدخلة المدونة التي كتبتها الأخت ندى، وفيها تتعرض لقاعدة “ثمانون عشرون 80\20” التي تظهر أنه في العديد من النشاطات الإجتماعية يكون ٢٠% من من المشاركين لهم ٨٠% من المساهمة أو التأثير. ومن هنا انطلقت الفكرة وسلسلة البحث في كيفية تجاوز القاعدة وتحقيق حوكمة أكثر تعاونية في المجتمعات المفتوحة.
ما هي “المجتمعات المحلية الفاعلة” ولماذا يجب أن نهتم بها؟
ما أعنيه بهذه المجتمعات هي المجموعات التي تنشأ بتجمع عدد من الأفراد استجابة لحاجة أو إهتمام مشترك متعلق بسياقهم وحياتهم، وتنشط بالعمل لمعالجة تلك القضايا.. فمثلا عندما كنت طالبا في الجامعة، اجتمعت مجموعة من طلاب الدفعة التي تسبقنا وأسسوا منتدى للكلية، وشكل هذا المنتدى منصة للتواصل والمشاركة عبر مختلف السنوات وفي شتى المواضيع، حيث أتاح المنتدى مشاركة العلامات وبرامج الفحوص ونسخ المحاضرات (وأسئلة الدورات طبعا). هذه المساحة الجديدة للتجمع أتاحت للمهتمين بدء ومناقشة مشاريع تطوعية تسعى لفائدة المجتمع المحلي في حلب. الخلاصة هي أنني أقدم مثالا عن مجتمع صغير يتحرك لينتج عملا استجابة لحاجاته المحلية. “ويكيلوجيا” هو مجتمع آخر أتيحت لي فرصة التفاعل معه مؤخرا، والذي يتألف بشكل رئيسي من طلاب جامعيين مهتمين بإمكانيات أدوات الإنترنت الجديدة في تعزيز العمل التعاوني… ضمن هذا المجتمع يسعى أعضاؤه لإغناء معارفهم ومهاراتهم التقنية والتعلم عن الثقافة التعاونية، ويعملون على المدى الطويل لتأسيس لمشاريع تفيد في التنمية المحلية عبر تطبيق مبادئ العمل التعاوني (تطبيق نماذج جديدة للتعليم في الورشات التعليمية، تطوير أدوات تعاونية على الإنترنت، تطوير عتاد بشكل تعاوني..).
إذا تتميز هذه المجتمعات عادة بكونها مبنية على التطوع والتعاون، كما أنها تمتلك المرونة في إختيار نشاطاتها وتعديلها مع الوقت على خلاف المؤسسات التقليدية، وبكون أفرادها هم نفسهم المعنيون بالفوائد الناتجة عن العمل. هنالك (مثلا) بالمقابل منظمات التنمية الإحترافية، والتي يقوم فيها المختصون بالعمل على مشاريع لتحسين الواقع (الإقتصادي، الزراعي، العمراني، البيئي، التعليمي، الصحي.. إلخ). يكون أفراد المجتمعات المحلية الفاعلة عادة أكثر ارتباطا بالمشاكل الذي يعملون على حلها لأنهم خبروها شخصيا، وبالتالي فإن معرفتهم بتفاصيلها وعواقبها تكون أعمق من المنظمات التنموية المختصة، ولو أن المجتمعات المحلية قاصرة من ناحية الإمكانات المادية والتجهيزات والخبرة العملية مقابل إمكانات المنظمات الاختصاصية.
لا أريد الدخول هنا في إشكاليات تعريف المصطلحات، ففي العديد من الأحيان هناك مؤسسات هجينة تجمع جوانب من المجتمعات المحلية والعمل المنظمي (لجنة الشباب المتطوعين في منظمة الهلال الأحمر مثلا، أو بعض المنظمات التنموية التي تتعاون مع المجتمعات الأهلية المحلية مثل “شبكة الآغا خان للتنمية“).. إنما كل هذا الاستطراد للدخول في موضوع معضلة الإدارة والحوكمة في المجتمعات المحلية، حيث يبقى هناك العديد من الأسئلة الأساسية التي يجب حلها للوصول إلى إدارة ناجحة لعمل المجتمعات المحلية الفاعلة. فمثلا، من يقوم بالإدارة؟ ماهي أولويات الإدارة؟ كيف يتم ربط الإدارة بالعمل؟.. قد تبدو هذه أسئلة بسيطة للوهلة الأولى، فبالنسبة للمنظمات والشركات نجد هرمية واضحة واختصاصات متباينة وتوزيع دقيق لمهام، في حين أن المجتمعات المحلية تطوعية، يأتي فيها الأفراد ويذهبون، ويتطوعون بوقتهم ومهاراتهم فيما يناسبهم، فلا توزيع واضح للمهام والأنشطة، بل أن الأنشطة نفسها غير محددة مسبقا وتخضع للنقاش. وبالرغم من التصاق صورة كون المجتمعات المحلية على أنها “حساء إبداعي” فيه الكثير من الأفكار والقليل من الإنتاج، إلا أن ما فيها من ميزات، وأبرزها معرفتها العميقة بالمشاكل المحلية، تجعل البحث عن طرق زيادة فاعليتها مهما، وخاصة لدى التطور المتسارع لأدوات التعاون والتواصل على الإنترنت، والتي بدأت بإتاحة العديد من الإمكانيات التي كانت حكرا على المنظمات والشركات [أحتاج إلى ربطها بمصدر أو نقاش]. الهدف في النهاية هو تمكين هذه المجتمعات للإستفادة من خبرتها العميقة في مشاكلها المحلية لتقوم بنفسها بحل هذه المشاكل، أو على الأقل أن تقود عملية التغيير بنفسها أو أن تكون شريكا أساسيا فيها بالتعاون مع المنظمات والحكومات بدلا من أن تترك زمام المبادرة والقرار لتلك الأخيرة… فلا يحك جلدك مثل ظفرك.
لن أسعى لوضع نموذج متكامل لإدارة المجتمعات المحلية الفاعلة (فلم أعد أؤمن بالنماذج كثيرا)، بل سأحاول أن أكتب بعض الأسئلة والقضايا على شكل دروس مبسطة تعلمتها (ولازلت أتعلمها) من التفاعل ومراقبة بعض لمجتمعات الفاعلة في سوريا.
هل الإدارة والحوكمة فعلا مهمتان في المجتمعات المحلية؟
نعم، فلا بد من نشوء نقاش يتعلق بالإدارة عند إجراء أي نشاط يتضمن أكثر من شخص واحد. وقد يختلف البعض حول مصطلح الإدارة في المجتمعات المحلية كونه مرتبط بالمركزية والسلطة، ولكني أعني بالإدارة هنا بأنها أي جهد أو نقاش يتضمن تنظيم العمل وأخذ القرار وتقييم النتائج. فمثلا في مجموعة “LEN” يقوم الشباب بالإعداد لنشاطات ترجمة تطوعية لفيديوهات توضح أفكارا مفيدة، ولكن لأداء الترجمة هناك نقاش وجهد يطمن لتنظيم العمل، فما هي الفيديوهات التي يجب أن تترجم؟ وبأي أداة؟ ومن يريد المشاركة؟ وكيف سيتم التنسيق بين المتطوعين؟.. فعليا فإن النشاطات الإدارية قائمة في المجتمعات المحلية الفاعلة، وإن كانت موزعة ومنتشرة، فقد تأخذ شكل حديث حول فنجان شاي صباحي، أو على شكل نقاشات في مجموعة تنظيمية على فيسبوك لمناقشة نشاطات مجموعة النشاطات الأساسية، أو قسم خاص في المنتدى لتواصل المشرفين حول الإدارة. لابد من نشوء النشاط الإداري إذا بمجرد بدء أي نشاط، وهذا يجعل قضية الإدارة والحوكمة مهمة لدعم المجتمعات المحلية.
من يقوم بإدارة المجتمعات المحلية؟
إن مفهوم “الإدارة” في المجتمعات المحلية أقل وضوحا منه في الشركات التقليدية ففي الشركات والمنظمات التقليدية هناك “طبقة حاكمة” تقوم بجمع المعطيات وأخذ القرار، أما في المجتمعات المحلية فغالبا ما يقوم بذلك عادة أفراد المجتمع ذاتهم. ففي غياب الهرمية الإدارية الواضحة التي تميز المنظمات والشركات، يتاح للمتطوعين المشاركة في تقييم عمل المجتمع واقتراح الأنشطة وتنفيذها. في مجموعة “العتاد مفتوح المصدر والتصنيع الشخصي” مثلا يقوم أعضاء المجموعة بالتداول حول مالذي يجب عمله وكيف.. فهل نقيم محاضرات تعريفية حول العتاد مفتوح المصدر؟ أم نبدأ بورشات عملية؟.. ثم كيف يمكن أن نكمل جهودنا مع المجموعات العربية الاخرى التي بدأت بالظهور؟.. وكيف يمكن لكل ذلك أن يساهم على المستقبل البعيد في المساهمة بتحسين وقع صناعة الإلكترونية والأجهزة في سورية؟.. في الحقيقة، فإن هذه الخاصية (خاصية المشاركة في القرار) التي تميز المجتمعات المحلية التطوعية هي إحدى الدوافع الأساسية التي تشجع الأفراد على التطوع واستمرارية المجتمع، وهو إحساس الأعضاء المتطوعين بأهمية مشاركتهم وتأثيرهم وتقديرهم من قبل الآخرين. إدارة المجتمع المحلي من قبل أفراده أنفسهم تغدو إذا ضرورة لضمان ارتباط أفراده ببعضهم، ولضمان ارتباط أنشطة المجتمع بالمشاكل الملموسة التي يخبرها أعضاؤه في حياتهم. وبالرغم من أن مشاركة الأعضاء، حيث عادة ما يبرز مع الوقت أفراد أكثر مشاركة وتأثيرا (وبالتالي أكثر مساهمة في الإدارة)، إلا أن الفرصة يجب أن تبقى مفتوحة للجميع، وهذا يتطلب الشفافية والمشاركة في أساليب إتخاذ القرار، أي إتاحة النقاشات التي تتعلق باتخاذ القرار لمن يريد مراجعتها والمساهمة فيها.
هل يمكن لجميع أفراد المجتمع المشاركة في الإدارة؟
قد نتمنى ذلك في الحالة المثالية، أما في الواقع فهي مسألة أكثر صعوبة. فليس الجميع مهتمون بالانخراط بنفس السوية، وحتى لو كانوا كذلك فقد أظهرت بعض التجارب حول التعاون في المجموعات أن التعاون والتنسيق ممكن بشكل جيد ضمن المجموعات التعاونية بحيث لا يتجاوز حجمها حوالي ٨ أفراد [أحتاج مصدرا]. أما عند نمو المجموعة فيصبح التنسيق أصعب وتتعقد عملية الوصول للقرار وإدراج مشاركة الجميع حول رؤية موحدة لإنتاج شيء ملموس. هنا يحدث عادة تكتل وانفصال في المهام، وتظهر شريحة صغيرة من المبادرين تهتم بمسائل الإدارة، وهي ردة فعل طبيعية للتعامل مع تعقيد تنامي المجتمع، ولكن ياتي معها مخاطر انعزال المجموعة الإدارية عن باقي المجتمع، فتتطور معارفها وخبراتها بشكل أسرع وتفقد الصلة تدريجيا باقي المجتمع مما يضيع فرصة التعاون على نطاق واسع. هذا يؤدي إما لانفصال الطبقة الإدارية عن المجتمع ككل وخمول باقي المجتمع، أو تحول المجتمع الفاعل إلى نمط أكثر شبها بالشركة التقليدية التي توفر خدمة أو منتجا محددا، فيستقر بعمله على مجموعة من الأنشطة التقليدية التي تصبح روتينا بدلا من إشراك الأعضاء في المبادرة لتحقيق التغيير المحلي. [أحتاج مرجعا أو رابطة أو مثالا دعما أو ناقضا]
كيف يمكن إذا إجراء الإدارة والحوكمة التعاونية مع معالجة التعقيد المتزايد عند تنامي المجتمع المحلي؟
إن نظرنا إلى بعض الحالات العملية يمكننا أن نجد بعض الحلول لمشكلة التعقيد الآتي من تزايد حجم المجتمع. فمجتمع “ويكيلوجيا” مثلا بدأ بمحاضرات عامة يلقيها الطلاب حول ثقافة التعاون والمحتوى المفتوح والبرمجيات الحرة. كانت هذه الأفكار الأولية، بالرغم من عموميتها، حاضنة مناسبة للعديد من الأنشطة والمجموعات لتتولد عنها، ولم تعد ويكيلوجيا مجموعة، بل مجتمع يضم العديد من المجموعات، كل منها يخصص المفاهيم المتعلقة بالتعاون والمشاركة بما يناسب إهتمامات أعضائه. فهناك مثلا مجموعة “LEN“ لتعلم اللغة الإنكليزية بأسلوب تعاوني، وهناك “ويكي صغار“ لتشجيع الأطفال على كتابة محتوى الويكي، وهناك مجموعة “ويكيتيكي“ التي تضم مبرمجين يعملون على تطوير أدوات تعاونية جديدة، وهناك مجموعة “العتاد مفتوح المصدر والتصنيع الشخصي“ لتعلم أساليب تطوير الإلكترونية والأجهزة بشكل مفتوح وتطبيقها. هذا المثال يظهر ١.أهمية التعددية والسماح لعدة مجموعات بالظهور في المجتمع المحلي بحيث تكون مرتبطة فيما بينها ولكن بشكل رخو (أي أن أعضائها على علم بالخطوط العامة لنشاطات باقي المجموعات)، مما يساعد على ظهور فئات إدارية خاصة بكل مجموعة كطريقة لرفع الإنتاجية العملية وحل مسألة الإدارة التعاونية. لتحقيق هذه التعددية ٢. يجب أن تكون أفكار ومبادئ المجتمع تحقق توازنا بين كونها عامة بشكل يشجع العديدين على الإنضمام، ولكن قابلة للتطبيق بعدة أشكال بحيث تسمح لمختلف المهتمين بإرضاء إهتماماتهم. هذا يتطلب أيضا ٣. مرونة من قبل الفاعلين أو النشطاء في المجتمع لتشجيع أي فرصة للمبادرات الجديدة.
المثال الثاني يأتي من ويكيبيديا، حيث يرافق هذه الموسوعة مجتمع كبير من المساهمين في تطوير المحتوى بشكل تعاوني. إلا أن هذا المجتمع ليس محليا بل هو عالمي التوجه (مع نشوء مشاريع فرعية ضمنه محلية التوجه)، وهذا يضع تحديا آخر لكون مسألة التنسيق بين المساهمين في محتوى مقال معين يجم أن تتم كلية باستخدام أدوات التواصل على الإنترنت. إن أبرز قنوات التنسيق في ويكيبيديا هي صفحة النقاش المرفقة لكل مقالة، والتي تتيح للمساهمين النقاش حول نوعية المقالة وصحة المصادر وتوزيع الأدوار. إلا أن ذلك لا يتوقف هنا، فالتعاون والتنسيق يمتد ليشمل نقاشات حول مشاريع لتنشيط تأليف المحتوى حول مواضيع معينة (WikiProjectSyria مثلا)، أو النقاش حول مشاريع تطوير أدوات جديدة من قبل مؤسسة ويكيميديا (المؤسسة التي تدير ويكيبيديا)، أو قنوات IRC للدردشة للتنسيق وتبادل الأفكار، أو موسوعة Meta–Wiki التي تناقش مشاريع ويكيميديا. مثال ويكيبيديا هذا يعطي العديد من الدروس:
٤. أدوات الإدارة المذكورة مفتوحة للجميع للمشاركة والمساهمة حسب قدراتهم واهتماماتهم، فكل تلك الأدوات والقنوات متوفرة على الإنترنت. هذا شرط لازم لتحقيق الشفافية لإنجاز الإدارة التعاونية ولكنه غير كاف. فأضعف الإيمان في المجتمعات المحلية الفاعلة أن يتاح المحتوى والنقاشات الإدارية للوصول من قبل الجميع، ولكن هذا لا يعني أن الوصول والمشاركة هي مسألة سهلة أو بمنتناول الجميع. والدرسان التاليان متعلقان بسهولة الوصول والمشاركة في الإدارة واتخاذ القرار.
٥. هناك عدة مستويات من الإدارة، كل منها مرتبط بنشاط معين. فهناك التنسيق اللازم لتأليف المقالة، وهناك التنسيق اللازم لتشكيل وتنظيم نشاط الفرق التي تعمل على مشاريع تطوير المقالات ضمن حقل معين، وهناك أيضا التنسيق اللازم لإدارة مشاريع تطوير أدوات جديدة لمنصة الويكي الخاصة بويكيبيديا. هذه التعددية في مستويات الإدارة ترافق التعددية في الأنشطة، ومقابلة كل نشاط بمساحة نقاش حوله يسهل مسألة المشاركة بشكل مباشر وبدون كلفة كبيرة، كما أنه خطوة لتجنب المركزية في إتخاذ القرار، بحيث يتم مناقشة النشاط من قبل المعنيين به مباشرة.
٦. كل مستوى من الإدارة يترافق بقنوات إتصال وأدوات تنسيق مناسبة له. هذه الأدوات والقنوات غالبا ما تكون قريبة من محتوى أو منتوج ذلك النشاط. فلتنسيق التعاون على المقالات هناك صفحات النقاش، ولتنسيق فرق المشاريع هناك صفحات المشاريع المحلية.. إن بعد مساحة الإدارة عن مساحة النشاط نفسه قد يؤدي للتشتت واضطرار أفراد المجتمع إلى التراوح بين مساحة النشاط ومساحة مناقشة النشاط، وهذه مشكلة تظهر في العديد من الأحيان في المجتمعات المحلية خاصة عند نمو المجتمع وتعدد أنشطته. لذلك فإن الحفاظ على قرب مساحة الإدارة من مساحة العمل هو مسألة مهمة.ففي مجتمع ويكيلوجيا مثلا، فإن العديد من النقاشات التي تتعلق بالإدارة واتخاذ القرار وتداول الأفكار الجديدة تجري على مجموعات Facebook، وهذه المجموعات هي نفسها التي تحضن أنشطة المجموعات، من الإعلان عن المحاضرات ومشاركة المصادر والروابط. هذا، لحد ما، يساعد على إبقاء أعضاء المجتمع على علم بتطور أفكاره ونشاطاته والمشاركة في إدارته ولو بشكل غير مباشر. من ناحية أخرى، فإن تعدد الأنشطة وتعقد مستلزمات التنسيق تبرز الحاجة إلى أدوات أخرى للتواصل من أجل الإدارة، مثل المجموعات البريدية، أو الدردشة المكتوبة أو الصوتية بين الناشطين في المجتمع لتنسيق فيما بينهم.. هذه الأدوات تلبي حاجات التواصل واتخاذ القرار التي لا تلبيها مجموعات Facebook، ولكن تأتي أيضا معها مخاطر التشتت في المحتوى وانفصال مجموعة الإدارة عن باقي المجتمع.
المثال الثالث والأخير يأتي من إستخدام المجموعات (Groups) على Facebook كأداة للتعاون. في مجموعات ويكيلوجيا (ويكيتيكي، أو WikilogiaMed مثلا)، يتم إستخدام المجموعات بشكل رئيسي للبقاء على تواصل مع أعضاء المجتمع. فيها تتم مشاركة الروابط وإجراء النقاشات وطرح الأفكار. كما تتم فيها بعد الأنشطة الإدارية مثل مناقشة سير الورشة التعليمية أو الإعلان عن المحاضرات والاجتماعات. وهنا بعض الميزات والمشاكل التي يمكن تعلمها من هذا المثال:
٧. أدوات الإدارة والإتصال تختلف بين كونها ثابتة ومحددة لتدعم وظيفة معينة، أو مفتوحة ومرنة لتتيح للمجتمع إيجاد طرق التنسيق التي تناسبه. ففي مجموعات Facebook مثلا توجد إمكانية إنشاء الأحداث (Events) ونشرها. وبالرغم من إمكانية تنظيم الأحداث بدون صفحات الأحداث على Facebook، إلا أن هذه الصفحات تسهل إدارة الأعمال المتكررة والروتينية مثل تنظيم اللقاءات والإعلان عنها. فهي تساعد على التخفيف من عبء إدارة الأمور المتكررة التي لا تحتاج الكثير من التداول. بالمقابل، هناك مسائل تتطلب نقاشا مفتوحا بين الأعضاء لتنظيمها، ولا توجد أدوات مناسبة لها سوى إتاحة النقاش للأعضاء بشكل مفتوح من أجل تسويتها. فمثلا طور أعضاء مجموعة “العتاد مفتوح المصدر والتصنيع الشخصي” مؤخرا فكرة إجراء ورشات تدريب في الإلكترونيات.. هذا النوع من النشاط الإداري الذي يتضمن إثارة المقترحات والأفكار الجديدة وتشذيبها لا يمكن التنبؤ به مسبقا، ولا بد من إتاحة مساحة مفتوحة للتواصل وتحسين الأفكار. وهنا يحدث أن يستخدم العديد من الأعضاء في ويكيلوجيا مساحة الحائط الخاص بالمجموعة للنقاش. هذه المساحة تتيح تداول الأفكار بشكل مكتوب وتسلسلي ولا تفترض قيودا مسبقة على نوع الفكرة المتداولة. بالإضافة إلى ذلك، استخدم الأعضاء صفحات ويكي خاصة بالمجموعة للأسترسال في التفاصيل والتعاون على توثيق المصادر لتطوير الأفكار المطولة التي تصعب معالجتها على مجموعات Facebook. يتعين إذا لتحقيق تعاون جيد في المجتمعات تحقيق التوازن بين توفير أدوات محددة (كالاحداث وأدوات إدارة المشاريع ومشاركة الوثائق)، وبين تأمين مساحة نقاش حرة تسمح لأنماط النقاش والتعاون الجديدة بالظهور. هذه قضية صعبة، وغالبا ما تؤدي معالجتها بشكل غير كامل إلى تعدد مساحات النقاش وتشتت محتوى النقاش الإداري (بين Facebook والمجموعات البريدية والدردشات) بشكل يصعب تذكره وملاحقته وتجميعه.
الخلاصة
عند تطوير أدوات تقنية و ممارسات جديدة لإدارة المجتمعات المحلية الفاعلة يجب إذا التعرض للمسائل التالية (أعرضها وفق تسلسل ورودها أعلاه):
١. السماح بالتعددية في الأفكار النشاطات والتجمعات.
٢. أن تحقق أفكار ومبادئ المجتمع توازنا بين كونها عامة لتضم العديد من المهتمين ولكن قابلة للتطبيق بأشكال مختلفة.
٣. المرونة من قبل النشطاء في المجتمع لتشجيع المبادرة الجديدة.
٤. فتح أدوات الإدارة وقنوات الإتصال التنسيقية للجميع لإتاحة المشاركة التعاونية في إتخاذ القرار.
٥. احتمال ضرورة تعدد مستويات النشاطات وبالتالي تعدد مساحات النقاش والأدوات الإدارية والمقابلة لها.
٦. ضرورة قرب مساحات النقاش والأدوات الإدارية من محتوى النشاط لتجنب التشتت وتسهيل المشاركة.
٧. تحقيق التوازن بين تأمين أدوات إدارية تدعم تنظيم أنشطة محددة، مقابل أدوات إتصال مفتوحة تسمح بطرح ونقاش الأفكار الجديدة التي لا يمكن التنبؤ بها مسبقا.
المصادر
اعتمدت في كتابة هذه المدخلة على المراقبة الشخصية، بالإضافة إلى نقاشات جرت ضمن مجتمع ويكيلوجيا، وخاصة على مجموعة ويكيتيكي ومجموعة العتاد مفتوح المصدر. في ويكيتيكي يقوم مبرمجون مبادرون بمحاولة تطوير أدوات تعاونية جديدة (أنظر مشروع MicroCommunity) مما يثير العديد من النقاشات حول مسائل تتعلق بالحوكمة وتنظيم العمل التعاوني. كما قام الأصدقاء الأمجد وفادي في مجموعة “أفكار تستحق الإنتشار“ بإرشادي إلى العديد من الأفكار المتعلقة بالنماذج الجديدة لحوكمة الشركات بشكل تعاوني، وإلى نصائح الخبراء في مجال العمل التعاوني على تطوير البرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر. أشير أيضا إلى مقالة “الكاتدرائية والسوق” (هنا الترجمة العربية) التي تقارن بين ثقافات تطوير البرمجيات المغلقة والمفتوحة، كما أشير إلى هذه السلسلة من المقالات من Wikileaks والتي تتحدث عن الحوكمة المفتوحة (Open Governance) بشكل عام.
ملاحظة أخيرة
هذه المدخلة في حالة مسودة دائمة، وأرحب بنقاشاتكم وإقتراحاتكم لتعديلها لتضم خبراتكم وآرائكم، كما أرجو أن تحاولوا نقدها لحد التدمير 🙂
This work, unless otherwise expressly stated, is licensed under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License.
السلام عليكم … جزاك الله خيراً أخي عمار … لا أعرف ما أقول لك …أنت جسدت أفكار هائلة في هذه المقالة بأسلوب مبسط لا يحتاج إلى مستوى عالي من المعرفة التطوعية … أكثر ما أعجبني هو الخلاصة و الفكرة التي تحدثت فيها مقارناً بين الجمعيات التطوعية المحلية و الجمعيات المركزية مبرزاً نقاط القوة و الضعف فيهما .
و أحببت أيضاً دورك النقدي الجميل خاصة أنه المسافة التي كنت فيها من المجموعات تؤهلك لهذا و قد نجحت فعلاً !!!تهانينا
أحب أن أضيف أمور كنت أتمنى أن تناقش و هو موضوع الآثار السلبية لأخذ القرار بالطريقة المفتوحة هذه ، و الآثار السلبية للبنى الغير الهرمية و كيفية تلافيها ، و الأمر الآخر هو تطوير نظام اقتصادي لهذه المجموعات التطوعية و أظن أن الهاكر سبيس استطاع أن يضع بصمة في هذا المجال .
أظن سأكتب رد موسع أساعد فيها بالإجابة على هذه الأسئلة و لكن في وقت لاحق إن شاء الله .
شكرا أخي يحيى 🙂
أنا فعلا أتطلع إلى آرائك حول سلبيات الإدارة المفتوحة، وأدرك أن التدوينة فيها العديد من النواقص بهذا الخصوص.
بانتظار أفكارك!