كيف سنستفيد من العتاد مفتوح المصدر في سورية؟!

نحتاج الكثير والكثير من الموارد والعمل لنحسن من الواقع المعيشي في سورية، ومن هول حجم الحاجات والمشاكل يبدو من العسير تحديد نقاط الانطلاق المناسبة. فإن أردنا تحقيق قدرة صناعية محلية تواجهنا عندها حواجز كثيرة تمنع حصولنا على المعرفة والمهارات والإمكانيات اللازمة لتصنيع ما يلزمنا بأيدينا. لكن لدينا أمل كبير في إمكانيات حركة العتاد مفتوح المصدر لهدم هذه الحواجز، وإتاحة المعرفة والتقنية للطلاب والمصنعين المحليين عبر التخلي عن احتكار الأفكار والإبداع وتبني التعاون طريقة للعمل بحيث يخرج الجميع مستفيدا!

لوحة الاردوينو، والتي يمكن تشبيهها بحاسب صغير يمكن برمجته ليتحكم بالبيئة والأجهزة المحيطة. لقد نجح العديد مؤخرا في سورية بصناعتها بإمكانات محلية رغم صعوبة تواجد القطع المطلوبة.

أخذت حركة العتاد مفتوح المصدر مؤخرا بالتنامي محليا في الوسط الطلابي بدمشق، وأصبح هناك مجموعات محلية مهتمة بنشر تقنيات العتاد المفتوح عبر إقامة ورشات تعاونية للإلكترونيات وصنع بعض مشاريع التحكم، بالإضافة إلى دراسة متطلبات صناعة طابعات ثلاثية الأبعاد (3D Printers) وإقامة مختبرات الإبداع والتصنيع (Fablabs). ومؤخرا بدأ مهتمون مبادرون بصناعة لوحة الاردوينو بإمكانات محلية، وهذه دفعة كبيرة للعتاد مفتوح المصدر محليا، فهذه اللوحة من الأدوات الأساسية التي تتيح تصنيع مشاريع أعقد (كصناعة جهاز محلي يتحكم بالبيوت البلاستيكية الزراعية، أو صناعة دارة للتحكم بالطائرات بدون طيار).. أي أنه يفتح إمكانيات عديدة بسهولة للمهتمين للمساهمة في التصنيع المحلي. كما رافق ذلك التواصل والتعاون مع المهتمين والمجموعات الناشئة في مناطق أخرى من العالم العربي، والشكر للإنترنت والشبكات الاجتماعية التي أتاحت ذلك 🙂

يبقى هناك العديد من التحديات التي تواجه العتاد المفتوح محليا، والتي تطرقنا لها في نقاشاتنا في مجموعة العتاد مفتوح المصدر والتصنيع الشخصي. تأتي هذه التدوينة من تلك النقاشات، والأفكار فيها مستوحاة من ردود الأعضاء والتفاعل معهم. وقبل الحديث عن تلك التحديات سأدلكم بسرعة واختصار على آفاق العتاد المفتوح عالميا ومحليا..

تعدنا حركة العتاد المفتوح بتحرير الإبداع التقني ودمقرطته

إن الدوافع الأساسية وراء حركة العتاد المفتوح عالميا تنطلق من الابتعاد عن الاحتكار المعرفي. أي أنني أستطيع أن أدفع بالتطور التقني إلى الإمام عبر مشاركة تصاميم عتاد وأجهزة قمت أنا بتطويرها، فتصبح “مفتوحة المصدر” بشكل يتيح للمهتمين الإطلاع على تلك التصاميم وصنع ما طورته بأنفسهم، ثم تعديله وتحسينه لحل مشاكله أو ليناسب احتياجاتهم. أي يمكننا أن نتخيل جهازا مفتوح المصدر يتحكم بتعليب الذرة طوره مصنع في أمريكا الجنوبية، وبدورنا يمكننا أخذ التصاميم وتعديلها من أجل جهاز محلي رخيص يتحكم بتعليب الفاصولياء.. وهكذا.. كل يبني على إبداعات الآخرين. هذا الأسلوب يتيح للعديد من المهتمين الإنضمام إلى عملية التصنيع، ولا يقتصر الإبداع والتصنيع احتكارا على جهة أو شركة دون غيرها. ولمعرفة المزيد عن مبادئ العتاد المفتوح وأساليبه يمكنكم قراءة هذه التدوينة (حاليا قيد الكتابة).

جهاز RepRap الذي يستطيع طباعة مجسمات فراغية بالأبعاد الثلاثة، وهو إحدى مشاريع العتاد المفتوح الشهيرة، والتي بإمكانها أن تسمح بإلغاء احتكار الصناعة.

وبالنسبة لنا في سورية والعالم العربي فيجب أن نهتم بشكل خاص بالعتاد مفتوح المصدر محليا. فالطبيعة التعاونية في مشاركة مصادر التصميم والمعارف والخبرات تعطينا الأمل بأسلوب يمكننا من تجاوز العوائق الاقتصادية لشراء حقوق الملكية الفكرية، ومن تجاوز العوائق المعرفية  كونها حركة تعاونية قائمة على المشاركة والانفتاح، كما يسمح للمهتمين بإمكانات بسيطة البدء بالمساهمة وفق إمكاناتهم. لذلك يجب أن نلتفت محليا كطلاب وصناع وهواة وأكاديمين إلى إمكانات هذه الحركة وتبنيها، والتفكير بأساليب تطبيقها محليا بحيث ننتقل فعليا إلى ابتكار حلول محلية تساهم في حل مشاكل واقعية.

وطبعا قائمة مشاكلنا طويلة. ففي سورية تحديدا تواجهنا الكارثة الإنسانية المتفاقمة، وستليها مسألة إعادة الإعمار والتوطين، ثم سيأتي دور الالتفات للمسائل القديمة في تحسين المردود الزراعي والتغلب على الجفاف، وتحقيق عوائد صناعية محلية. في كل هذه الأصعدة هناك مساحة كبيرة للإبداع تتيحها أساليب العتاد مفتوح المصدر، وفيها فرصة لنا لقيادة الإعمار بجهود أهلية محلية بدلا من انتظار جهات مختصة لتولي العمل.. فالإمكانيات التي يتيحها العتاد مفتوح المصدر تأتي من تشجيعه للمشاركة التعاونية وإرجاع زمام المبادرة في التصنيع والتطوير إلى الأهالي.. وهذا يجعله واعدا بشكل خاص في بلداننا النامية.

التحديات التقنية في وجه استثمار ثقافة العتاد مفتوح المصدر محليا

وبالرغم من كل الوعود والآمال التي تأتي من الحديث عن مثاليات ثقافة العتاد المفتوح، هناك العديد من العوائق التي سنواجهها في المستقبل القريب إن كنا فعلا نطمح لنشر أساليب جديدة في التصنيع. فمثلا بالرغم من أن العتاد المفتوح مفتوح، إلا أنه ليس مفتوحا تماما بعد :)..أعني بهذا أنه بالرغم من أنه يمكننا الوصول إلى المصادر والتصاميم فهذا لا يعني أنه يمكننا مباشرة البدء بالمساهمة، فقبل ذلك يجب أن نبني الخبرة المطلوبة (وإن كان حاجز الدخول أسهل من أساليب الصناعة والتطوير التقليدية)، كما أن العتاد يترافق بتكلفة مادية قد تعيق المهتمين من جلب المعدات اللازمة. الأنكى من ذلك هو أنه لا يمكن دائما الحصول على القطع حتى ولو توفر ثمنها، والأمر ليس ببساطة تحميل ما نحتاجه عبر الإنترنت. وقد واجهنا مثل  هذه المشكلات في المجموعة عندما تعذر على العديد إيجاد القطع اللازمة لبناء لوحة الاردوينو. وقد توسع يحيى قليلا في شرح العوائق التقنية في وجه العتاد المفتوح والفرقة مقارنة مع البرمجيات المفتوحة. (أنظر آخر المقال)

لحسن الحظ فإن المشاكل التقنية في مواجهة العتاد المفتوح تتلاشى باستمرار مع تنامي المجتمع الداعم لهذه الثقافة.

لحسن الحظ فإن هذه المشاكل تهون لدى تنامي المجتمع المحلي المتبني للعتاد المفتوح، وذلك لأن الخبرة المحلية تتنامى، وبالتالي يسهل الحصول على المساعدة من اشخاص قريبين، كما أنهم على استعداد للتعاون لإيجاد حلول محلية للتغلب على نقص القطع۔ فهنا مثلا نجح راشد في صناعة لوحة اردوينو بالتعاون مع الآخرين وبإمكانات محلية رغم نقص القطع، وهذا يبشر بتنامي إمكانيات المجتمع المحلي العربي في مجال العتاد المفتوح.

التحديات الثقافية في وجه استثمار ثقافة العتاد مفتوح المصدر محليا

أما عند نقاشنا على مجموعة العتاد مفتوح المصدر حول ماذا يمكن أن يعيق تبني العتاد مفتوح المصدر كثقافة تصنيع فعالة، ذكرنا الأمجد بخاطرة كتبها منذ مدة حول الموضوع، وفيها يعرض عدة جوانب يجب التفكير فيها وحلها، وهي كما يلي كاملة:

هذه مجموعة من الخواطر أحببت أن أشاركها معكم. وأظن أنها أساسية لفهم كيف يمكن أن تنتشر ثقافة العتاد المفتوح وأين…

هناك نقطة أساسية وهي أنه لا يمكن إدخال ثقافة العتاد المفتوح المصدر بجانبها العلمي والاقتصادي والثقافي والقانوني والتعليمي والاجتماعي إلى بيئات الصناعة التقليدية. فهي عبارة عن نظام متكامل ecosystem

بالنسبة للجانب العلمي. عملية الصناعة التقليدية للعتاد تسيطر عليها عقلية هندسة البرمجيات التقليدية وهي منهجية الشلال Waterfall بينما منهجية الأجايل Agile هي الأساس في العتاد المفتوح (تذكروا مثال WikiSpeed)

بالنسبة للجانب الاقتصادي، فمن المعروف أن كل نموذج قائم على نموذج اقتصادي مختلف تماماً. فالنموذج المفتوح قائم على أننا نتشارك في صنع المنتج، ومن ثم كل شخص يربح من تقديم الخدمات (مثلاً التصنيع أو التصليح. رابط ١، رابط ٢).. بينما النموذج المغلق قائم على أن الشركة أو الشخص تقوم بتصميم المنتج لوحدها، وهي وحدها بعد ذلك تقدم معظم الخدمات…

بالنسبة للجانب الثقافي.. فالعتاد المفتوح فيه نفس روح ثقافة المصدر المفتوح والهاكر والإبداع والتشارك الندي، وهو أمر بعيد تماماً عن البنية الهيكلية في الجامعات والشركات التقليدية لصناعة العتاد.

بالنسبة للجانب القانوني فمن المعروف أن الصناعة التقليدية قائمة على براءات الاختراع والملكية الفكرية بينما الأخرى قائمة على الرخص الحرة كما تعلمون

بالنسبة للجانب الاجتماعي فالصناعة التقليدية تركز بشكل أساسي على خدمة احتياجات المؤسسات الكبيرة أو الاحتياجات واسعة النطاق، أما بالنسبة للعتاد المفتوح فهو يركز على حل المشاكل الاجتماعية ذات صلة كبيرة بالواقع المحلي….

ايضاً بالنسبة للنموذج التعليمي.. فهو مختلف تماماً ايضاً… للأسف لم أدخل فيه بشكل تفصيلي ولكن تنطبق عليه الخطوط العامة للأسلوب المفتوح في التعلم، وهو DIY Education… اصنع تعليمك بنفسك، وعند الحاجة On-Demand، وهناك الكثير من الناس لتساعدك على الإنترنت..

وهذه فعليا تحديات جدية علينا العمل على حلها بما يناسب الظروف. وبالرغم من ضخامتها، إلا أن الحل يكمن في البداية بخطوات أولية، فكما شبه الأمجد في مطلع خاطرته النظام الصناعي بالنظام الحيوي (Ecosystem)، فإنه بإمكاننا النظر إلى نمو هذا النظام على أنه عملية طبيعية وعضوية، وبالتالي ليس علينا حل جميع المشاكل في نفس الوقت، بل أن نتخيل النتيجة النهائية التي نريد الوصول إليها، ثم نتخذ الخطوة  الصغيرة التالية التي نقترب بواسطتها قليلا نحو نشر ثقافة العتاد المفتوح.. تماما كما نرعى نبتة في حديقتنا..

ولكن أين يمكن أن تكون تلك الخطوة؟

الإنطلاق نحو تبني ثقافة تصنِيع مفتوحة محليا

من هنا كانت مساهمتي في النقاش حول كيفية البحث عن خطوات البداية:

إن بعضا من حماسنا حول حركات المصادر المفتوحة يأتي مما تتيحه من إمكانيات لتطور والتنمية في العالم العربي. ولكننا كثيرا ما نركز في الحديث عن العتاد المفتوح على تطبيقات براقة، مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد والتحكم (Arduino) ومخابر الصناعة الشخصية (Fablabs). هذه التصورات والطموحات، وبالرغم من أنها جذابة ومفيدة للمجتمع الأكاديمي الإحترافي (الطلاب، الباحثين، الهواة) فإنه برأيي لا يكفي لاستثمار إمكانات العتاد والتصنيع المفتوح للتنمية المحلية، فهذه الخطوة تتطلب بناء ثقافة حول مبادئ العتاد المفتوح، وهذه بدورها تحتاج إلى حنكة أبناء السوق من مدراء ومستثمرين بارعين، والذين يستطيعون تحديد الإمكانات الصناعية والتجارية المحلية.

بمعنى آخر، فإن الاستثمار في إمكانيات العتاد المفتوح والتصنيع الشخصي من أجل جلب التقدم الإقتصادي والاستقلال التقني هو عملية تدريجية، لأنها تطلب بناء ثقافة محلية تقوم على مفاهيم وأساليب جديدة، وتتطلب خبرات جديدة.. فهي تتطلب من أبناء البلد من الصناعيين والتجار وأصحاب الأعمال الصغيرة تعلم وتبني طرق جديدة في الاستعلام والتصنيع والتسويق.

ربما لن يكون البدء بهذا عبر تطبيقات براقة تجذب الأكاديميين والهواة أصحاب الخبرات الكبيرة في العتاد، بل ربما البداية تكون في تطبيقات بسيطة توفر بعض الكلفة للمصنعين محليا، كتجميع جهاز ينظم استجرار الطاقة لورشات الخياطة، أو صنع دارة تحكم بالغسالات، أو تصميم هاتف منزلي لاسلكي. ما أقصده أن البداية لبناء ثقافة تستثمر مفاهيم العتاد المفتوح يجب أن تبدأ من واقع السوق المحلية، وذلك لجذب اهتمام المستثمرين والصناع والتجار بحيث يبدأون في تبني الثقافة الجديدة من منفذ سهل وواضح، ثم التعاون معهم لتطور في الأفكار والارتقاء في تعقيد التطبيقات… وهكذا يمكن بناء المعرفة والخبرات المحلية جنبا إلى جنب مع العتاد المحلي.

وردا على هذا تساءل مجد:

هذا صحيح…لكن برايي ان الفابلاب و الطابعة و باقي الامور التي نركز عليها هي الاداوات التي سنستعملها في ما بعد لبناء نماذج لهذه المشاريع التي تجذب الصناعيين و التجار…هل هذا صحيح؟

وما يشير إليه مجد مهم فعلا،  فما تعمل عليه مجموعة العتاد مفتوح المصدر حاليا يفيد في تطوير مهارات المجتمع المحلي في مجال العتاد وتنميته ﴿تحديدا الإلكترونيات﴾، وهذا من خلال عدة مشاريع لصناعة لوحة الاردوينو محليا، بالإضافة إلى ورشات الإلكترونيات، ودراسة إمكانيات صناعة طابعات ثلاثية الأبعاد ﴿3D Printers﴾ وتجهيزمختبرات للتصنيع الشخصي ﴿Fablabs﴾۔ كل ذلك ضروري لبناء الخبرة اللازمة وتشكيل مجموعة محلية للعتاد المفتوح۔ ولكن النقلة التالية ستبدأ عندما نستطيع ربط كل ذلك مع حاجات محلية ومباشرة۔ فحتى الآن كان تركيزنا الأساسي على مواضيع تهم الطلاب والأكاديميين بشكل رئيسي ﴿وذلك طبيعي﴾، وبالتالي نساهم حاليا في استثمار إمكانيات العتاد المفتوح في مجال التعلم وبناء الخبرات والصلات الإجتماعية۔ إلا أنه سيتعين علينا في المراحل القادمة تحديد فرص لنساهم في حل مشاكل محلية أو تحقيق أفضلية إقتصادية لنبدأ بتشجيع الصناعة المحلية على تبني العتاد المفتوح۔ ومن هنا كان رد يحيى على تساؤل مجد:

و لكن التجار و خاصة لدينا يهمهم حلول نهائية و الإنتاج بكميات كبيرة mass production, و هنا ستكمن المهمة التي تحدث عنها عمار في دمج ثقافتنا مع أمور تتوافق مع التفكير السائد و الحاجات الاجتماعية.

يعني حتى الآن على الأقل في الدول العربية ، الطابعات ثلاثية الأبعاد مثلاً لم توجه سوى الإبداع و تنمية الأفكار و إنجاز نماذج أولية و لكن لم تدخل الصناعة بشكل حقيقي ، بالمفهوم الحقيقي مفتوح المصدر أو أين الحاجة الصناعية التي لبيناها باستخدام الطايعة في الدول العربية.

وتعقيبا على رد يحيى كتبت بدوري:

نعم أخي مجد، إن اعتبرنا أن الهدف الذي نتكلم عنه هو نشر ثقافة العتاد المفتوح والتصنيع الشخصي في الوسط الصناعي والتجاري المحلي، فعندها التقنيات التي ذكرتها من فابلاب وطباعة ثلاثية الأبعاد هي قطع من الأحجية، ولكن أتصور أن الحل الكامل لهذه الأحجية يتطلب قطعا أخرى لا تقل عنها أهمية أيضا.

فمثلا، ذكر الأخ أمجد في منشوره عدة جوانب (علمية، اقتصادية، قانونية، ثقافية، اجتماعية، وتعليمية)، وبين بعض الحواجز في العقليات والأساليب الحالية نحو تبني العتاد المفتوح، وهي تمهد الطريق لوضع الأساليب للتغلب على هذه الحواجز أو الالتفاف عليها.

من ناحيتي حاولت أن أجد المدخل نحو الخطوة التالية الكبيرة في مجتمع العتاد المفتوح العربي. فإذا اعتبرنا أن الخطوة الحالية الكبيرة التي نعمل عليها هي بناء نواة لمجتمع قادر معرفيا وتقنيا على البدء بتطبيق ونشر أفكار العتاد المفتوح (بما فيها التقنيات التي ذكرتها – وهذه الخطوة ربما تتفق مع تذليل بعض العقبات العلمية والتعليمية التي أشار لها الأخ أمجد)، فالخطوة الكبيرة التالية برأيي هي في إيجاد مدخل إلى قلوب أبناء السوق المحلي، وهي بتحديد بعض الحاجات أو الإمكانيات المحلية التي يمكن للعتاد المفتوح أن يساهم بشأنها، وبشكل فعال اقتصاديا.

ولا يحتاج أن يكون الأمر معقدا.. فربما المدخل يكون بناء دارة تحكم بسيطة تكسر احتكار شركة أجنبية تتحكم بسوق التحكم بآلات التعليب مثلا، أو جهاز تنظيم حسابات أصحاب البقاليات.. طبعا أنا هنا أتكهن، ولكن لتحديد تلك الحاجة يجب أن نبحث ونسأل ونستفسر من العاملين في السوق ونحاورهم لنحدد الحاجة وبالتالي المشروع.. هذا من ناحية العتاد. أما من ناحية النموذج التعاوني والمعرفي، فأنا أتفاءل بتصور مجموعات العتاد المفتوح العربية كهذه تغدو حاضنات فكرية وصناعية، يأتي إليها الصانعون المحليون لعرض مشاكلهم ولاكتساب الخبرة والأفكار، ويفعلها الطلاب والهواة بحيث يستفيدون منها لبناء خبرتهم ومعرفتهم، وبحيث يتعلمون ويطورون في نفس الوقت.

طبعا نحن ما زلنا في المراحل الأولى.. ولكني أردت طرح المسألة لنبدأ بالتفكير بها كون تصوراتنا واضحة حاليا حول المرحلة الحالية.. وذلك من أجل أن ننطلق بقوة ما إن نتوصل إلى تحقيق الفابلاب والطباعة ثلاثية الأبعاد.

الطريق إلى الأمام

ما هي الحاجة الملحة التي سنعمل عليها للتصنيع في سورية؟

إن ما نعمل عليه حاليا في مجموعة العتاد المفتوح وغالبية المجموعات في العالم العربي هي مشاريع أساسية لبناء الخبرات وتشكيل نواة مجتمع للتصنيع المفتوح۔ وحالما يبدأ المجتمع بالتوسع مع تحقيق إنجازات تقنية جيدة عندها علينا الإلتفات إلى ربط الإمكانات التي لدينا مع حاجات محلية ملموسة۔ فالتحدي الأكبر أمامنا هو أن نثبت أن أساليب التصنيع المفتوحة فعالة اقتصاديا في إعادة الإعمار ومن ثم المساهمة في الازدهار المحلي. إن تحديدنا لتلك الحاجات والمشاكل وتحويلها إلى مشاريع سيساعد من جهة على مساهمتنا في التنمية المحلية، كما سيساعد من جهة أخرى المجتمع الصناعي التقليدي على فهم إمكانيات العتاد المفتوح في التصنيع وبالتالي التوجه إليه واستثمار قدراته۔ وعندها سيتسنى لنا العمل على اكتشاف أداور كل من المصنعين المحليين والطلاب والهواة والكاديميين والتجار وصناع القرار في ذلك المجتمع الحيوي، والبدء بوضع التفاصيل من أجل تأسيس صناعة مفتوحة محلية.


**هنا المزيد من التفاصيل القيمة التي يوردها يحيى حول التحديات الخاصة التي تواجه العتاد المفتوح ويقارنها مع البرمجيات المفتوحة:

في البرمجيات مفتوحة المصدر عموماً تغيب العديد من المشاكل التي تظهر في مجال العتاد مفتوح المصدر، و ذلك نابع من اختلاف طبيعي بين طبيعة البرمجيات و العتاديات، إذ أن المنصة التي تنفذ عليها المشاريع في مجال البرمجيات موجودة في أسوأ الأحوال، وهي الحاسب الشخصي. أما في مجال العتاد فالمنصات إما تكون غائبة أو أن تكون متشتتة جداً، فيكفي مثلاً أن تعمل بنوع قطعة إلكترونية يختلف عن النوع الذي يعمل عليه صديقك ليحدث بينكما شرخ تقني، أضف لذلك أن نموذج العتاد بشكل عام يحتاج إلى تراكم خبرات مضاعف عن مجال البرمجيات، وبالإضافة إلى أن منحني التعلّم في مجال العتاد أبطأ كثيراً من منحني التعلم في مجال البرمجة و ذلك بسبب الوقت المستهلك في العتاديات لأمور روتينية عدة ( ابتياع القطع الإلكترونية – التلحيم – التوصيلات – .. ) ، و أيضاً تغيب في العتاد إمكانية متابعة تطوير المشروع بأوقات متقطعة عكس البرمجيات، إذ أن مشروعك الذي تعمل عليه قد لا يمكنك دوماً الإبقاء عليه موصولاً و قد تحتاج لفكفكته و هنا ستعاني في المرة القادمة التي تريد فيها تطويره و ذلك بسبب حاجتك لإعادة إنشاء التوصيلات، بينما في مجال البرمجيات يكفي أن تضغط ctrl+s لتحفظ كل عملك و تتابعه في أي وقت لاحق.

ومن المشكلات التي تطرح أيضاً ، غياب وسائل التشاركية في مجال العتاد رغم وجود بعض الأدوات إلا أنها ما تزال مشتتة و مبعثرة (المخططات – المحاكاة – لوائح العناصر – الكود – الدارات المطبوعة)، أما في مجال البرمجيات مفتوحة المصدر فهناك الكثير من المواقع التي تقدم وسائل كافية مجتمعة في مكان واحد، كما تزال البرمجيات التي تتعامل مع العتاد في الحاسب، مثل برامج المحاكاة محصورة في نظم تشغيل معينة، و لم يوجد حتى الآن بديل حقيقي و مناسب لذلك، أما في مجال البرمجيات فكثيراً ما نجد بدائل جيدة و مناسبة، الحديث عن الفروق يطول و هناك العديد من المحاولات لتفنيد الفروق بينهما.

Creative Commons License
This work, unless otherwise expressly stated, is licensed under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License.

تعليقان (2) على “كيف سنستفيد من العتاد مفتوح المصدر في سورية؟!

  1. تعقيبا على خاطرة يحيى بالنسبة للجانب الثقافي فإن من أكبر من التحديات التي تواجهنا هنا هي مشكلة المشاركة وروحها, فهذه الروح غير منتشرة بشكل تلقائي بين أفراد مجتمعاتنا وإن كانت فإنها بحاجة ماسة إلى شخصية قيادية, بإمكان توجيه المجتمع الحقيقي أو المجتمع الإفتراضي بحيث بإمكانه دائماً أن يري المشاركين فوائد المشاركة بهكذا مشاريع..

    • كلامك صحيح ، إذ بالفعل تغيب لدينا روح المشاركة و الإحساس بجمال و روعة التعاون و هذا له أسبابه المعروفة ( التنشئية المدرسية – التنشئة المجتمعية – .. ) و إن كانت ثقافتنا و ديننا كثيراً ما تدعوا إلى التعاون و التشارك و تحض على تطبيقه ، و لكن حدث ما حدث و غابت التشاركية في مجتمعاتنا ، و أظن أن الحل هو في نشر روحها من جديد من خلال إنشاء مشاريع تعاونية حقيقية ، يقدم لها و ينظمها هذه الشخصيات القيادية التي تم تحدث عنها ، و التي يوجد لديها المقدار الكافي من الثقافة التعاونية .

      و لكن أحب أن أشير أنه إلى الآن لا يوجد حل مثالي لهذه القضية الخطيرة و لكن إن شاء الله الأشهر القليلة القادمة ، ستثبت صحة أو فشل هذا الأسلوب ، و عليه إما يجب المتابعة فيه أو إيجاد أسلوب آخر .

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *