كيف سنستفيد من العتاد مفتوح المصدر في سورية؟!

نحتاج الكثير والكثير من الموارد والعمل لنحسن من الواقع المعيشي في سورية، ومن هول حجم الحاجات والمشاكل يبدو من العسير تحديد نقاط الانطلاق المناسبة. فإن أردنا تحقيق قدرة صناعية محلية تواجهنا عندها حواجز كثيرة تمنع حصولنا على المعرفة والمهارات والإمكانيات اللازمة لتصنيع ما يلزمنا بأيدينا. لكن لدينا أمل كبير في إمكانيات حركة العتاد مفتوح المصدر لهدم هذه الحواجز، وإتاحة المعرفة والتقنية للطلاب والمصنعين المحليين عبر التخلي عن احتكار الأفكار والإبداع وتبني التعاون طريقة للعمل بحيث يخرج الجميع مستفيدا!

لوحة الاردوينو، والتي يمكن تشبيهها بحاسب صغير يمكن برمجته ليتحكم بالبيئة والأجهزة المحيطة. لقد نجح العديد مؤخرا في سورية بصناعتها بإمكانات محلية رغم صعوبة تواجد القطع المطلوبة.

أخذت حركة العتاد مفتوح المصدر مؤخرا بالتنامي محليا في الوسط الطلابي بدمشق، وأصبح هناك مجموعات محلية مهتمة بنشر تقنيات العتاد المفتوح عبر إقامة ورشات تعاونية للإلكترونيات وصنع بعض مشاريع التحكم، بالإضافة إلى دراسة متطلبات صناعة طابعات ثلاثية الأبعاد (3D Printers) وإقامة مختبرات الإبداع والتصنيع (Fablabs). ومؤخرا بدأ مهتمون مبادرون بصناعة لوحة الاردوينو بإمكانات محلية، وهذه دفعة كبيرة للعتاد مفتوح المصدر محليا، فهذه اللوحة من الأدوات الأساسية التي تتيح تصنيع مشاريع أعقد (كصناعة جهاز محلي يتحكم بالبيوت البلاستيكية الزراعية، أو صناعة دارة للتحكم بالطائرات بدون طيار).. أي أنه يفتح إمكانيات عديدة بسهولة للمهتمين للمساهمة في التصنيع المحلي. كما رافق ذلك التواصل والتعاون مع المهتمين والمجموعات الناشئة في مناطق أخرى من العالم العربي، والشكر للإنترنت والشبكات الاجتماعية التي أتاحت ذلك 🙂

يبقى هناك العديد من التحديات التي تواجه العتاد المفتوح محليا، والتي تطرقنا لها في نقاشاتنا في مجموعة العتاد مفتوح المصدر والتصنيع الشخصي. تأتي هذه التدوينة من تلك النقاشات، والأفكار فيها مستوحاة من ردود الأعضاء والتفاعل معهم. وقبل الحديث عن تلك التحديات سأدلكم بسرعة واختصار على آفاق العتاد المفتوح عالميا ومحليا..

أكمل قراءة المقالة

الحوكمة والإدارة في المجتمعات المحلية الفاعلة

أكتب هذه المدخلة بعد التعرض للعديد من المعضلات المتعلقة بإدارة المجموعات من خلال الاحتكاك بعدد منها والحديث مع أعضائها.. أهمها وأحدثها هو مجتمع ويكيلوجيا الذي ينشط في سورية. ورغم أنني سأكتب بشكل عام عن بعض تحديات الحوكمة في المجتمعات المحلية الفاعلة، إلا أن الهدف البعيد هو الاستفادة من هذا التشخيص في تطوير أدوات وأساليب تقنية جديدة تساعد على إجراء العمليات الإدارية. كما أن الأمثلة التي أستند عليها مستقاة من مجتمعات موجودة كلية أو جزئية على الإنترنت.

إن ما دفعني للبدء بكتابة هذه المدخلة، عدا الاهتمام بالتنمية المحلية في سورية عبر تمكين المجتمعات الأهلية الفاعلة، هو مدخلة المدونة التي كتبتها الأخت ندى، وفيها تتعرض لقاعدة “ثمانون عشرون 80\20” التي تظهر أنه في العديد من النشاطات الإجتماعية يكون ٢٠% من من المشاركين لهم ٨٠% من المساهمة أو التأثير. ومن هنا انطلقت الفكرة وسلسلة البحث في كيفية تجاوز القاعدة وتحقيق حوكمة أكثر تعاونية في المجتمعات المفتوحة.

أكمل قراءة المقالة

إكتشاف الكتابة

رغم انتمائي إلى علوم الحاسب بحكم الدراسة والخبرة، إلا أنني قد بدأت مؤخرا باكتشاف بعض جوانب العلوم الإنسانية والإجتماعية. فقد بدأت البحث في موضوع إستخدام المجموعات المحلية في سورية لأدوات التواصل على الإنترنت لتنظيم عملها، ومن ضمن الأسئلة التي أحاول التعلم عنها: ما هي الدوافع التي تجمع أفرادا ذوي إهتمامات متنوعة حول أهداف مشتركة؟ كيف يحققون تعاونهم؟ ما هي الأدوات التي تساعدهم على تنظيم نفسهم ونشاطاتهم؟ ما هي مشاكلهم؟ وكيف يمكن حل بعضها بتصميم أدوات جديدة؟

نقطة انطلاقي الأساسية هي أننا في سعينا لنكتشف مشاكل التقانة (أدوات الإنترنت مثلا)، لا بد من أن نتعلم عن سياقات البشر والمجتمعات التي تستخدمها ومشاكلهم واحتياجاتهم. هنا وجدت نفسي أتعلم الكثير عن هذه المواضيع من خلال التفاعل مع مجموعة “ويكيلوجيا”. هذه المجموعة مليئة بالأفراد المتحمسين الذين يسعون إلى تطوير الأفكار والأدوات للإستفادة من قدرة التعاون عبر الإنترنت لإنتاج وقع محلي أفضل في سورية خصوصا والعالم العربي عموما. ومع هذه المجموعة بدأت أكتشف إمكانات الكتابة مجددا.

الكتابة كأسلوب بحثي

مع بدء مشروعي للتعلم عن الإحتياجات المحلية للتقانة في سورية توجهت إلى العلوم الإجتماعية والإنسانية، فهذه الحقول في نهاية المطاف تحمل الكثير من الخبرة في طرائق البحث والفهم عندما يتعلق الأمر بالمجتمعات والأفراد وتفاعلاتها. طبعا هي لا تخلو من المشاكل، ومنها أن نظرياتها ونماذجها التقليدية تكاد تكون سلطوية (وهي مشكلة حاضرة في أغلب العلوم)، وفي أغلب الأحيان لا تنطبق نماذجها على واقعنا وسياقاتنا. لكن بعض المفكرين الجدد في العلوم الإجتماعية (Bruno Latour, Corbin & Strauss, Howard Bekcer) انتبهوا إلى هذه المسائل، واقترحوا طرائق لدراسة المجتمعات لا تسعى إلى وضع نظريات فوقية، بل تسعى إلى إتاحة الفرصة للمجتمعات قيد الدراسة أن توصف نفسها وتحدد أولوياتها وطموحاتها ومشاكلها. ولكن كيف يمكن فعل ذلك؟ الحل هو بالبدء من المجتمع نفسه (Becker) لا من النماذج، والبدء من المعطيات العملية وليس من النظريات (Corbin & Strauss)، وذلك عن طريق مراقبته ومحاولة تسجيل التفاعل بين أعضائه ونشاطاتهم. وهنا يأتي دور الكتابة، وهي الكتابة عن كل تلك الأمور: ماذا يفعل أفراد المجموعة يوميا؟ كيف يتواصلون؟ ما هي أفكارهم؟ كيف يستخدمون الأدوات التقنية ضمن كل ذلك؟.. لقد كنت متخوفا بشأن الكتابة، فعن ماذا أكتب؟ ومالذي سأكتشفه من خلال التسجيل والوصف؟.. لكن قلقي الآن تبدد بعد تجربتي لنصائح هؤلاء المصلحين في علوم الإجتماع، والأهم بعد التفاعل مع مجموعة ويكيلوجيا وأعضائها المتميزين.

الكتابة كحوار ذاتي

عندما أجبرت نفسي على الجلوس والكتابة، وجدت الأفكار المتطايرة والمفاهيم المتفرقة تنظم نفسها بنفسها على الساحة البيضاء. كنت أعتقد سابقا بضرورة وضوح الفكرة وقوتها قبل تدوينها، ولكنني الآن مقتنع أن الفكرة تنشأ وتتوضح من خلال الكتابة.. فأنا الآن قد جلست لأكتب هذه المدخلة بدون تصور واضح عن شكلها.. كل ما كان لذي هو شعور عام بتقدير أهمية تجربة الكتابة التي أفادتني مؤخرا. الكتابة هنا تصبح طريقة تفكير، والمساحة البيضاء الفارغة تصبح إمتدادا للعقل ومعززا له. فهي ذاكرة إضافية، وتكاد أن تكون ندا يناقش الكاتب ويساعده بطرح الأسئلة عليه ويشجعه على إغناء الفكرة. إن الحاجز الأكبر الذي استطعت تحطيمه هو إلغاء تصوري بوجوب جودة الفكرة، بل أنه لا بأس من كتابة كل شيء كمسودة تطور نفسها مع الوقت.

لا يتوجب على الكتابة ضرورة أن تكون نشاطا كاملا ومنتهيا ولا بأس أن تكون الفكرة “نصف مطبوخة”، فهذا يشجع الآخرين على النقاش.

الكتابة كحوار مع الآخرين

من خلال النقاشات الكثيرة على مجموعات ويكيلوجيا، يغدو بشكل واضح أن الأفكار لا تنشأ فقط عبر الحوار الذاتي لوحده، بل أنها تنشأ دائما من خلال حوار ما مع الآخرين، سواء بشكل مباشر أو مكتوب. وبشكل مشابه لما كتبه الأخ المميز “الأمجد توفيق اصطيف”، تغدو الكتابة وسيلة لمشاركة الأفكار مع الآخرين لنشوء حوار يغني أفكارا جديدة.. فالشكل المكتوب يسهل المشاركة مع جمهور أوسع ويسهل توثيق الأفكار وإسترجاعها، وهذا يعزز التواصل والحوار. حتى الآن كنت أقوم بالكتابة كحوار ذاتي لتدوين مراقباتي وتنظيم أفكاري، ولكنني نادرا ما استفدت من إمكانياتها في الحوار مع الآخرين. والآن، وبعد إختراق الحاجز الأول، آمل أن أخترق الحجز الثاني نحو المشاركة والحوار والتواصل. قمت لذلك بإنشاء هذه المدونة، وقد سبقني الإخوة المبادرون “الأمجد” و”ندى” و”فادي“، وكل الموجودين على مجموعة ويكيلوجيا، الذين أبرزوا لي إمكانيات التفاعل والتعاون.

في “محاولة” المدونة هذه سأسعى للتركيز على مواضيع تتعلق بالبحث العلمي الذي يصب في مصلحة المجتمع. ملامح هذا الشكل من البحث العلمي أنه موجه للفعل بدلا من الاكتفاء بالتوقيف ووضع النظريات، وأنه مفتوح بحيث يشارك المعني به في الإطلاع على سيره ونتائجه والمشاركة في نقده وتوجيهه.هذا التوجه ضروري خصوصا في ضوء تحول المعرفة إلى كيان منفصل عن الواقع في جامعاتنا ومجتمعاتنا، حتى في ما يخص العلوم التطبيقية (المعلوماتية، الإقتصاد، الإدارة…). أحد أحلامي البعيدة أن نستطيع أن نؤسس مجموعات بحث علمي مفتوحة وديمقراطية، تضع في أولوياتها الفوائد الإجتماعية العملية بدلا من نشر المقالات النظرية، وحيث لا حدود فيها بين الباحثين وبين المعنيين بالبحث وتطبيقاته.

وسنبدأ بالكتابة..

عمار